فصل: بحث بعنوان: من أسرار القرآن: الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وتقدَّم تفسير {السَّحابِ}، وأنَّهُ يُذكَّر ويؤنَّثُ، ولذلك عاد الضَّميرُ عليه مُذَكَّرًا في قوله: {سُقْنَاهُ}.
ولو حمل على المعنى كما حمل قوله: {ثِقَالًا} فجُمِعُ لقال: {سُقْنَاهَا}.
و{لِبَلَدٍ} جعل الزَّمَخْشَرِيُّ اللاَّم للعلَّةِ، أي: لأجل.
وقال أبُو حيَّان: فرقٌ بين قولك: سقتُ له مالًا، وسُقْتُ لأجله مالًا، بأنَّ سُقْتُ له أوْصَلْتُ إليه، وأبْلَغْتَهُ إيَّاهُ، بخلاف سُقْتُهُ لأجْلِهِ، فإنَّهُ لا يلزمُ منه إلاَّ إيصاله له، فقد يسوق المال لغير لأجلي، وهو واضح.
وقيل: هذه اللامُ بمعنى إلى، يقال: هَدَيْتُهُ للدِّين، أو إلى الدِّين.
وتقدَّم الخلافُ في تخفيف {مَيِّتٍ} وتثقيله في آل عمران وجاء هنا وفي الروم [46] {يُرْسِلُ} بلفظ المستقبل مناسبة لما قبله، فإنَّ قبله: {ادْعُوهُ خَوْفًا} وهو مستقبلَ، وفي الروم [45]: {لِيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ}، وهو مستقبل.
وأمَّا في الفرقان: [48] وفاطر [9] فجاء بلفظ الماضي: {أرْسَلَ} لمناسبة ما قَبْلَهُ وما بعدهُ في المضي؛ لأنَّ قبله: {أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل} [الفرقان: 45]، وبعده: {مَرَجَ البحرين} [الفرقان: 53]، فناسب ذلك الماضي، ذكره الكَرْمَانِيُّ.
والبلد يطلق على كلِّ جُزْءٍ من الأرْضِ، عامِرًا كان، أو خرابًا، وأنشدوا على ذلك قول الأعشى: [البسيط]
وَبَلْدَةٍ مِثْلِ ظَهْرِ التُّرْسِ مُوحِشَةٍ ** لِلجِنِّ باللَّيْلِ في حَافَاتِهَا زَجَلُ

قوله: {فَأنْزَلْنَا بِهِ} الضَّميرُ في {به} يعود على أقرب مذكورٍ، وهو {بَلَدٍ مَيّتٍ}، وعلى هذا فلابد من أن تكون الباء ظرفيّة، بمعنى أنزلنا في ذلك البلدِ الميِّتِ الماء، وجعل أبُو حيّان هذا هو الظَّاهِرُ.
وقيل: الضَّميرُ يعود على {السَّحَابِ}، ثم في البَاءِ وجهان:
أحدهما: هي بمعنى مِنْ أي: فأنزلنا من السَّحَابِ الماء.
والثاني: أنَّهَا سببيَّةٌ أي: فأنزلنا الماء بسبب السَّحَابِ.
وقيل: يعودُ على السَّوْقِ المفعوم من الفعل والباءُ سببية أيضًا أي: فأنزلنا بسبب سَوْقِ السَّحابِ، وهو ضعيفٌ لعَوْد الضَّمير على غير مذكور مع إمكان عَوْدِهِ على مذكُورٍ.
قوله: {فَأخْرَجْنَا بِهِ} الخلافُ في هذه الآيةِ كالَّذِي في قبلها، ونزيد عليه وجهًا أحْسَنَ منها، وهو العودُ على الماء، ولا ينبغي أن يُعْدَلَ عنه.
وقوله: {مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} {من} تبعيضية، أو ابتدائية، وقد تقدم نظيره.
قوله: {كَذَلِكَ} نعت مصدر محذوف، أي: يُخْرج المَوْتى إخْرَاجًا كإخْراجِنَا هذه الثَّمَرَاتِ، وفي هذا التَّشبيه قولان:
الأول: أنَّ المَعْنَى كما خلق الله تعالى النَّبَاتَ بالأمطار، فكذلك يحيي الموتى بمِطِرٍ ينزله على الأجْسَادِ الرَّميمة.
قال أبُو هُريْرَةَ وابن عباس: إذا مَاتَ النَّاسُ كلُّهم في النَّفْخَةِ، أرسل اللَّهُ عليهم مَطَرًا كمنيِّ الرِّجالِ من ماء تَحْتَ العَرْشِ يدْعَى ماءُ الحيوانِ، ينبتون في قُبُورِهِم نبات الزَّرْعِ، حتى إذا استكملت أجْسَادهم نفخ فيه ارُّوح، ثم يلقى عليهم نومة فينامُونَ في قبورهم، ثم يُحْشَرُونَ بالنَّفْخَةِ الثَّانية، وهم يجدون طعم النَّوْم في رُءُوسهم وأعينهم، فعند ذلك يَقُولُونَ: {ياويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} [يس: 52].
الثاني: أن [هذا] التَّشْبِيه إنَّمَا وقع بأصل الإحْيَاء، والمعنى: أنَّهُ تعالى أحيى هذا البَلَدَ بعد خَرَابِهِ، فأنبت فيه الشَّجَرَ فكذلك يحيى الموتى بعد أن كانوا أمْواتًا؛ لأنَّ من قدر على إحداث الجسم، وخلق الرُّطُوبَةِ والطعم فيه، يكون قادرًا على إحداث الحياة في بدن الميِّتِ.
قال ابن الخطيب: واعلم أنَّ الذَّاهبين إلى القولِ الأوَّلِ إن اعتقدوا أنَّهُ لا يمكن بَعْث الأجْسَادِ، إلا بأنْ يمطر على تلك الأجساد البَاليةِ مَطَرًا على صفة المَني فقد بعدوا؛ لأنَّ القادر على أنْ يحدث في ماء المطر صفة، تصير باعتبارها منيًّا، لم لا يَقْدِرُ على خلق الحياةِ في الجِسْم؟ وأيضًا فهب أن ذلك المطر ينزل، إلا أنَّ أجزاء الأمْوات متفرقة، فبعضها بالمَشْرِقِ وبعضها بالمغربِ، فمن أين ينفعُ ذلك المَطَرُ في توليد تلك الأجْسَام؟
فإن قالوا: إنَّهُ تعالى بقدرته وحكمته يجمع تلك الأجْزَاءَ المتفرّقَةَ، فَلِمَ لمْ يقُولوا: إنَّهُ بقدرته وحكمته يخلق الحياة في تلك الأجْزاء المتفرقة ابتداءً من غير واسطة ذلك المطر؛ وإن اعتقدُوا أنه تعالى قادر على إحياء الأمْواتِ ابتداءً، إلا أنه تعالى إنَّمَا يحييهم على هذا الوَجْهِ، كما أنَّهُ قادرٌ على خلق الأشخاص في الدُّنْيَا ابتداءً إلا أنَّهُ أجرى عادته بأنَّهُ لا يخلقهم إلاَّ من أبوين، فهذا جَائِزٌ.
ثم قال تعالى: {لَعلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي: أنكم لما شاهدتم أنَّ هذه الأرض كانت مزيَّنَة وقت الرَّبيع والصَّيْفِ بالأزهار والثِّمار، ثم صارت عند الشِّتاء ميتة عارية عن تلك الزّينة، ثم إنَّهُ تعالى أحياها مرَّةً أخرى، فالقادر على إحيائها بعد موتها يَجِبُ أن يكون قَادِرًا على إحياء الأجساد بَعْدَ موتها أيضًا. اهـ. باختصار.

.من الإعجاز العلمي في القرآن:

.بحث بعنوان: من أسرار القرآن: الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية:

(45) {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته}
بقلم الدكتور: زغلول النجار
هذا النص القرآني القاطع جاء في مطلع الربع الثاني من سورة الأعراف، وهي سورة مكية، وعدد آياتها 206، وقد سميت بهذا الإسم لورود ذكر الأعراف فيها، وهي أسوار مضروبة بين الجنة والنار تحول بين كل من أهليهما، تكريما لأهل الجنة، وإذلالا لأهل النار...!!
ويدور المحور الرئيسي للسورة الكريمة حول قضية العقيدة الإسلامية القائمة علي التوحيد الخالص لله وحده بغير شريك ولا شبيه ولا منازع، والعبودية الكاملة من كافة الخلق لله سبحانه وتعالى، وهي العقيدة التي علمها ربنا تبارك اسمه لأبينا آدم عليه السلام منذ اللحظة الأولي لخلقه، وأنزلها علي سلسلة من أنبيائه ورسله، وأتمها وأكملها وحفظها في رسالة خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين.
وتبدأ سورة الأعراف بأربعة حروف من الفواتح الهجائية {المص}، وهذه الحروف المقطعة من أسرار القرآن الكريم التي حاول عدد من العلماء الاجتهاد في فهم دلالاتها، وتوقف العدد الأكبر منهم عن الخوض في تفسيرها، واكتفوا بتفويض الأمر فيها إلي الله تعالى.
بعد ذلك مباشرة خاطبت السورة الكريمة خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم بألا يضيق صدرا بتكذيب قومه له وللقرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى إليه، ونادت علي الناس جميعا بضرورة اتباع هذه الرسالة الخاتمة التي أنزلت إليهم من ربهم، وحذرتهم من الشرك بالله، ومن أنهم قليلا ما يتعظون، وأردفت بذكر مصارع المكذبين من الأمم السابقة، الذين رفضوا هدي ربهم، وحاربوا أنبياءه ورسله، كما ذكرت الآيات بعد ذلك بموقف الحساب يوم القيامة وبمصائر كل من المفلحين والظالمين فيه، وأشارت إلي فضل الله تعالى علي العباد بتمكينهم في الأرض تمكينا يستوجب الشكر والحمد!
ثم أخذت السورة الكريمة في استعراض قصة البشرية ممثلة في خلق الأسرة الأولي من آدم عليه السلام وزوجته حواء رضي الله عنها وأرضاها وتكريمهما وصراعهما مع الشيطان الرجيم منذ اللحظة الأولي لوجودهما في الجنة، وقد ابتليا وذراريهما بقدر من الاختبار والابتلاء بمحاولة الشيطان وذراريه غوايتهم عن منهج الله، تلك الغواية التي أخرجت آدم وزوجه من الجنة، وأدت إلي الهبوط بهما إلي الأرض لتبدأ رحلة الحياة والموت، ومن بعدها البعث والنشور، ويحذر الله تعالى عباده من فتنة الشيطان وجنوده وأعوانه، ويوصيهم بعدد من الوصايا، ويحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الفواحش ما ظهر منها، وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق، ومن أخطرها: الشرك بالله، والتقول عليه سبحانه بغير علم، وافتراء الكذب عليه، والتكذيب بآياته، والكفر به تبارك وتعالى وغير ذلك من الاعتقادات الفاسدة، والسلوكيات الهابطة التي تودي بصاحبها إلي جهنم وبئس المصير...!!
وتعرض الآيات في هذه السورة الكريمة لشيء من أحوال كل من أهل الجنة وأهل النار، وأهل الأعراف بينهما، كما تعرض لشيء من أفضال الله علي عباده وما أكثرها، وتأمر الناس بالاتجاه إلي الله تعالى دوما بالدعاء وبالضراعة سرا بخشوع وخضوع تامين خوفا من عذابه وطمعا في رحمته، لأنه لا يحب المعتدين المتشدقين برفع الصوت في الدعاء تظاهرا ورياء، وتأمرهم بألا يفسدوا في الأرض بالكفر والشرك والمعاصي والإفساد بعد إصلاحها ببعثة الانبياء والمرسلين، ودعوتهم الناس إلي عبادة الله علي التوحيد الخالص، وحسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها، وإقامة عدل الله فيها...!!
ومن قبيل التثبيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم عرضت السورة الكريمة لقصص عدد من المرسلين، ولتفاعل أقوامهم معهم، ولشيء من جزائهم بدءا بنوح، ثم هود، وصالح، ولوط، وشعيب، وموسي على نبينا وعليهم أجمعين من الله تعالي أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وتعرض الآيات لمصارع المكذبين في كل قصة من قصص تلك الأمم، مؤكدة علي وحدة الرسالة السماوية، ومفصلة قصة موسي عليه السلام مع فرعون وملئه، وعارضة أخذ الله لآل فرعون بالسنين والآفات، ثم إغراق فرعون ونفر من ملئه، وأشارت السورة الكريمة إلي انحراف بني إسرائيل وعبادتهم العجل في غيبة من موسي عليه السلام في أثناء ميقاته مع ربه كما أشارت إلي طلب رؤية الله، ودك الجبل وصعق موسي، وتنزيل الألواح عليه، وأشارت إلي الميقات الثاني مع سبعين من قوم موسي، وصعقهم حين قالوا: لن نؤمن لك حتي نري الله جهرة، ثم عصيانهم في دخول القرية، وإصرارهم علي الصيد في يوم السبت، وهو محرم عليهم، ونتق الجبل فوقهم كأنه ظلة، ومسخ الظالمين منهم قردة وخنازير، وبعث الله عليهم من يسومهم سوء العذاب إلي يوم القيامة، وتشريدهم في الأرض عقابا لهم علي تحريفهم كلام الله..!!
وتتابع سورة الأعراف في سياقها الإشارة إلي الرسالة الخاتمة، وذلك بقول الحق تبارك وتعالى رادا علي موسي في ضراعته إلي الله ألا يهلكهم بما فعل السفهاء منهم فقال عز من قائل: {قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه اولئك هم المفلحون} (الأعراف: 157،56).
وفي نور هذه البشري الإلهية بمقدم خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم والتي سبقت مجيئه بمئات السنين، تأمره الآيات في سورة الأعراف بالإعلان عن حقيقة رسالته، وذلك بقول الحق تبارك وتعالى: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون} (الأعراف: 158).
وتذكر السورة الكريمة العهد الذي أخذه ربنا تبارك وتعالى علي الخلق اجمعين وهم في عالم الذر في أصلاب آبائهم وأشهدهم أنه لا إله إلا الله، وأنه لا رب ولا معبود سواه، ثم تعرض للذين آتاهم الله آياته ثم انسلخوا منها، فأصبحوا من الغاوين، واصبحوا نهبا للشياطين، وأخلدوا إلي الأرض اتباعا للهوي، وأصبح الفرد منهم كالكلب.. {إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون} (الأعراف: 176).
وتأمر السورة الكريمة المؤمنين بالمداومة علي ذكر الله بأسمائه الحسني وصفاته العليا، وتؤكد دور الرسول الخاتم والنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم بأنه نذير مبين وبشير للمؤمنين، وتشير إلي ملكوت السماوات والأرض، وإلي خلق الله بصفة عامة، وتحذر من اقتراب الأجل ودنو الآخرة، التي لا يعلم وقتها إلا الله، لأنها لا تأتيهم إلا بغتة كما قرر ربنا تبارك وتعالى، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وتحدد السورة الكريمة دور الرسول الخاتم بالإنذار والبشارة، والتحذير من مخاطر الشرك بالله وعواقبه.